بقلم. فهد الدغيلبي
هل هو مجرد استعراض أنيق لحدث فروسي عابر؟ أم هي تجربة متعددة الأبعاد تحتفي بالخيل العربية وتراثها؟ أو لعلها مبادرة نبيلة تسعى لتعزيز أواصر الصداقة والتعاون بين أعضاء المجتمع العالمي للخيل العربية الأصيلة؟ أم هي محاولة للتفرد والخروج عن المألوف من خلال نهج جديد مبني على التطوير والابتكار والشفافية؟ وربما تكون ظاهرة تنافسية تسعى الى أن تعود بالحياة والأضواء للخيل العربية في بعض الدول وتدعم وتعزز البطولات في دولاً أخرى؟ هل ما نشاهده عبارة عن طفرة ثقافية اقتصادية مؤقتة أم هو مشروع عالمي أصيل يهدف الى تحقيق الاستدامة التنظيمية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها من الاستفسارات مازالت تتكرر كل يوم.
ولكن مما لا شك فيه أن ما أحدثته “جولة الجياد العربية” حتى الآن يعد نقلة نوعية في عالم بطولات جمال الخيل العربية من خلال الارتقاء بمعايير البطولة وتنظيمها، وزيادة قيمة الجوائز المالية، وتقديم مفهوم جديد للتنظيم يتضمن مراحل دولية متميزة ومواقع عالمية جديدة جعل منها حدث فروسي دولي رفيع المستوى يحظى بمتابعة وإشادة عالمية.
ومن جولة الجياد التي ساهمت في رفع طموح وتطلعات كافة الملاك والمهتمين بالخيل العربية حول العالم الى السعودية أرض الفروسية ومهد الخيل العربية التي مرت خلال السنوات الماضية بمراحل متعددة ومنعرجات شتى ولكنها حالياً تشهد حراكاً وانتعاشاً جديد بالدعم الذي شهدته مؤخراً بطولة الملك عبدالعزيز حيث تم رفع قيمة جوائزها المالية الى 15 مليون ريال والذي بلا شك يعد نقلة كبيرة ستنعكس ايجاباً على مستوى البطولة من حيث التنظيم والحضور وجودة الخيل المشاركة نظرا لقيمة جوائزها ولحجم المشاركات العالمية بها، حيث أنها بطولة دولية فئة (A) حسب تصنيف منظمة “الايكاهو” مما يجعلها تحظى بمشاركة نخبة الخيل العربية الأصيلة من جميع دول العالم، ولكن ما بين بطولة الملك عبدالعزيز وجولة الجياد العربية يقف المربي السعودي مشدوهاً ما بين الدهشة والانبهار وما بين الطموح والواقع، وبقدر فرحة مجتمع الخيل بهذا التطور المتسارع في كل مكان هناك قدر من التعجب بخصوص آلية توزيع الدعم المالي على البطولات المحلية، وكلن يمني النفس بتنظيم يحاكي تنظيم جولة الجياد العربية وجوائز تماهي جوائز بطولة الملك عبدالعزيز وتشمل بقية البطولات التي كانت ومازالت منذ تأسيسها تهدف الى دعم الخيل العربية وترسيخ مكانتها وتمنح الملاك والمربين في السعودية فرصة المشاركة وتعزز تنمية وتطوير الخيل العربية في كافة المناطق، ولكن يبدو ان الفجوة في اتساع، بحيث ان الكثير من البطولات المحلية مازالت غير مستقرة وبلا دعم مالي وبعضها بتنظيم متواضع لا يتواكب مع ما تعيشه المملكة من تطور في تنظيم واستضافة كبرى الاحداث العالمية.
في اعتقادي ان بطولاتنا مازالت في حاجة إلى استراتيجية حكيمة في توزيع الدعم والجوائز تضمن وصولها لأكبر شريحة ممكنة من ملاك ومربي الخيل العربية ليتحقق الهدف الرئيسي من الدعم وهو الرفع من مستوى الصناعة والارتقاء بها، حيث ان البطولة الوطنية وبطولات الإنتاج المحلي والمنتجين من البطولات التي لا تقل أهمية عن كبرى البطولات لأنها تؤسس لمستقبل الخيل العربية وبسبب عمق الشريحة المستهدفة وعرضها جغرافياً لتشمل جميع مناطق المملكة، حيث ان هذا الدعم وهذه الحوافز المالية ستدعم صناعة الخيل العربية وتستقطب المزيد من المهتمين من كافة المستويات، الأمر الذي يساهم بجعل البطولات المحلية أكثر تنافسية، كما سيهدف هذا الدعم في المقام الأول إلى الحفاظ على الخيل العربية وسلالاتها ورفعة شأنها بالإضافة الى تطوير برامج الانتاج و إبراز الخيول المنتجة محلياً والارتقاء بها والاحتفاء بملاكها ومنتجيها ودعمهم، فهي بوابات انطلاق المربي والمُنتِج السعودي نحو العالم ونحو كبرى البطولات العالمية، فضلا عن العمل على تعزيز مكانة السعودية على خارطة مسابقات الخيل العربية وتحقيق الريادة فيها على مستوى العالم، و يتماها مع الأهداف الاستراتيجية للمملكة في تطوير الرياضة وتعزيز الثقافة، ويهدف إلى جذب جماهير جديدة وتشجيع الاستثمار في مجال الخيل ورياضة الفروسية.
أظهرت بيانات جمعية الأعمال التجارية للخيول، أن التأثير الاقتصادي السنوي لصناعة الخيول يقدّر بنحو 300 مليار دولار ويدعم 1.6 مليون وظيفة بدوام كامل، بحسب دراسة بحثية أعدّتها مؤسسة بريدل البريطانية المتخصصة في سوق الخيول الرياضية عالمياً مطلع العام الجاري.
وتعد السعودية والإمارات ومصر من أبرز الدول العربية المستثمرة في صناعة الخيل، فقد أصبحت صناعة وتجارة الخيل العربية في السعودية قطاعاً واعداً يشهد نمواً متسارعاً، ومما يؤكد على ذلك ما شهدناه مؤخرا من نتائج وإنجازات مميزة لإنتاج المملكة من الخيل العربية حول العالم وتصدر بعض المدربين والعراض السعوديين لكبرى البطولات العالمية بالإضافة إلى نتائج بعض مراكز التدريب السعودية التي تشهد حاليا نمواً كبيراً يتمثل في استقبال وتدريب العديد من الخيل الابطال من كافة دول العالم، وهو ما يعزز مكانة السعودية في صناعة الفروسية الدولية كما يدعم الإنتاج المحلي ويشجع الكفاءات الوطنية و يعد رافداً اقتصادياً جديداً.
همسة لـ وزير الثقافة، وزير الرياضة، وزير البيئة والزراعة..
تشكل الخيل العربية والمنافسات الخاصة بها أهمية كبيرة لارتباطها بالتاريخ الذي يمثل جزءاً أصيلاً من هوية المملكة و ثقافتها وموروثها، ويعكس مكانة المملكة بوصفها وجهة عالمية للحفاظ على التراث العربي الأصيل، مما يسهم في تطويرها لتكون وجهة عالمية لصناعة الخيل والفروسية وتعزيز مكانتها في الأسواق العالمية وذلك تحقيقًا لمستهدفات رؤية 2030، لذا نأمل اهتمامكم ودعمكم ووضعها في المكان الذي تستحقه.
يقول غازي القصيبي -رحمه الله-:
إذا البشائر لم تحن أوقاتها
فلحكمة عند الإله تأخرت
سيسوقها في حينها فاصبر لها
حتى وان ضاقت عليك واقفرت



