بقلم المستشار الفروسي : محمد بن عبد المحسن المسفر
الخيالة ليست مجرد ركوب الخيل، بل هي فن يتطلب فهمًا عميقًا وتناغمًا فريدًا بين الفارس وجواده، خاصةًعندما يكون الحديث عن الجواد العربي الأصيل. هذا الكائن النبيل، بذكائه وحساسيته وقوته الكامنة،يتطلب مقاربة خاصة مبنية على بناء الثقة والتواصل. إنها رحلة تقوم على أسس متينة تمكن الفارس منالتحكم الفعال والتعامل السلس مع هذا المخلوق الذي تجري في عروقه دماء الأصالة. يمكن تلخيص هذهالأسس الأربعة التي تميز الخيال الماهر، وهي بمثابة الحد الأدنى من الخيالة الذي يجب أن يمتلكهكل من يطمح إلى إتقان فن الركوب العربي .
1. الثبات: ركيزة الأمان للخيل العربية
يُعد الثبات الركيزة الأولى في الخيالة، وهو أمر بالغ الأهمية عند التعامل مع الجواد العربي الذي يتميزبحساسيته الشديدة وردود فعله السريعة. الثبات لا يعني مجرد الجلوس مستقيمًا على السرج، بل يشملقدرة الفارس على البقاء متوازنًا ومستقرًا ، من خلال وزن جواده تحته مستخدما عنانه في مواكبة حركات عنق جواده ؛ مهما كانت حركة الجواد العربي النشطة أو طبيعة الأرض. الفارس الثابت يمنح جوادهشعورًا بالأمان والثقة، ويقلل من التذبذبات التي قد تزعج الجواد أو تشتت تركيزه. هذا الثبات ينبع من قوةالجذع، مرونة المفاصل، والتوازن البدني الذي يمكن الفارس من امتصاص صدمات الحركة والحفاظ علىوضعية صحيحة، مما يسمح له بالتحكم الفعال في توجيه الجواد العربي دون إثارة قلقه.
2. المقدرة على تغيير الاتجاهات: حوار السلاسة مع الأصيل من الجياد .
تأتي بعد الثبات، المقدرة على تغيير الاتجاهات بسلاسة ودقة. يتطلب ذلك فهمًا لأوامر الفارس الدقيقةالتي تنتقل من العنان عبر الشكيمة ، وجسم الفارس ، ثم تأتي بقية الأدوات كعناصر أخرى مساعدة .الجواد العربي سريع الاستجابة ويستوعب الإشارات الدقيقة، لذا فإن الفارس الماهر يستطيع توجيهجواده في دوائر ضيقة أو واسعة بانعطافات سهلة و حادة كذلك الميل بزوايا بسطة كتغير للمسار ، بشكل متوازن . هذه المهارة ليست فقط للتنقل، بل هي جزء أساسي من بناء الثقة، حيث يتعلم الجواد العربيالاستجابة لإشارات الفارس بثقة ويقين، مما يجنبه الارتباك أو المقاومة التي قد تظهر بسبب القسوة و العسر ، أو عدم الاتساق في الأوامر.
3. المقدرة على الإيقاف والرجوع للخلف: تحكم دقيق وواثق
ثالث الأسس هو المقدرة على الإيقاف التام للجواد العربي والتحكم في حركته للخلف. الإيقاف الفعال لايعني شد اللجام بقوة، بل هو عملية متكاملة تعتمد على إشارات واضحة من الفارس وتوازن صحيح يؤديإلى توقف الجواد بشكل هادئ و متدرج أو حبس تام عن الحركة . والناتج عن هذه القدرة هو إمكانيةالرجوع بالجواد إلى الخلف، وهي مهارة متقدمة تدل على تحكم الفارس في جميع عضلات الجواد وقدرتهعلى التواصل معه في اتجاهات متعددة. هذه القدرة أساسية للسلامة والتحكم الكامل بالجواد العربيفي المواقف المختلفة، وتظهر من خلالها مدى ثقة الجواد في فارسه من خلال تقبله للتوقف و الرجوعبسلاسة.
4. تحريك الجواد بكيفيات الحركة: إتقان إيقاعات الجواد العربي
وأخيرًا، تأتي القدرة على تحريك الجواد بكيفيات الحركة المختلفة: من المشي البطيء والمستقر الذي يظهررشاقة الجواد العربي، إلى الخبب الأكثر سرعة وإيقاعًا ، ثم الهذب الانسيابي الذي يعكس جمال حركته،وصولًا إلى العدو السريع والقوي الذي يبرز قوة العاديات الفطرية. هذه المهارة تتطلب من الفارس فهمًاعميقًا لإيقاع كل حركة وكيفية تحفيز الجواد عليها بسلاسة ودون إجهاد. التحكم في السرعة والإيقاع هوما يميز الخيال المتمكن، حيث يستطيع أن يتكيف مع طبيعة الجواد العربي ورغباته، ويستطيع أيضًا أنيطلب منه أداءً معينًا عندما تتطلبه الحاجة، كل ذلك بانسجام تام مستعينا بأشكال التحريك الأساسية و هي :
التحكم والثقة: جوهر الخيالة مع الجواد العربي
ينتج عن إتقان هذه الأسس الأربعة المقدرة على التحكم بالجواد في حالتي الاتفاق معه أو الاختلاف. فالفارس الماهر يستطيع أن يقود جواده العربي عندما يكون متجاوبًا، ويستطيع أيضًا أن يعيد توجيهه أويصحح سلوكه عندما يختلف معه، كل ذلك من خلال المقدرة على فهم الجواد و مواكبة ردات فعله من خلال الاستخدام السليم للعنان . وما يميز خيّالًا عن آخر هو القدرة على التعامل مع الجواد في جميع الظروفمع الحفاظ على روح الجواد العربي الحساسة.
إن مقصد الخيال الأساسي في نمط الركوب العربي هو أن يكسب ثقة جواده. هذه الثقة لا تأتي منالقوة، بل من ردات الفعل الصحيحة على سلوكيات الجواد. عندما يستجيب الفارس بطريقة مفهومةومتسقة لإشارات الجواد، يتعلم الجواد العربي أن يثق في قائده. وبالتالي، إن استمر الخيّال في تطويرهذه المهارات الأساسية، سينتج عنها المقدرة على الانسجام مع الجواد واستشعار رغباته وفهمها. عندها،يتمكن الفارس من احتوائه وإحسان التعامل معه، ليصبحا كيانًا واحدًا في حركة فريدة من التناغموالانسجام، تتجاوز مجرد الركوب لتصل إلى مستوى عميق من العلاقة بين الإنسان وجواده العربيالأصيل.